الفصل الرابع
قداسة الذات الإلهية
في هذا الفصل سنتناول بالبحث حقيقة غابت عن محمد وهي حقيقة قداسة الذات الإلهية،
وهي تعني انفصال الله المطلق عن الشرور,,
ولأن حقيقة قداسة الله غابت عن محمد نسبت نصوص القرآن لله تبارك وتعالى صفات وأعمالاً لا تتفق أبداً مع قداسته المطلقة,
ذكر القرآن أن الله يأمر بالفسق:
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً * سورة الإسراء 17: 16 ,
وذكر القرآن أن الله يمكر، وأنه خير الماكرين:
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ * سورة آل عمران 3: 54 ,
وذكر القرآن أن الله يخدع:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ,, * سورة النساء 4: 142 ,
والأمر بالفسق، والمكر، والخداع صفات يتنزه الله عنها,, لأنه الإله القدوس الذي قال عنه حبقوق النبي:
عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ، وَلَا تَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ,,, * حبقوق 1: 13 ,
وقال عنه يعقوب في رسالته:
لَا يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللّهِ، لِأَنَّ اللّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لَا يُجَرِّبُ أَحَداً * يعقوب 1: 13 ,
إن قداسة الله المطلقة تنزهه تبارك اسمه عن الخطأ والشر، وترينا في ذات الوقت أنه وحده العارف بمعنى وحقيقة الخطية، فلا أحد يعرف مدى فظاعة وبشاعة وسواد الخطية إلا الله الكلي القداسة,
القرآن لا يذكر الله مرتبطاً باسم القدوس إلا في سورتين:
هُوَ اللَّهُ الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * سورة الحشر 59: 23 ,
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * سورة الجمعة 62: 1 ,
وقداسة الله تبارك وتعالى تنزهه تماماً عن النقائص، فهو جل جلاله كامل في ذاته وفي صفاته,, منزه تماماً عما يوجب نقصاناً,, لا شبيه له في كماله,
ولأن الله قدوس منزه عن كل نقص,, فهو وحده الذي يعرف حقيقة الخطية,, يعرف بشاعتها,, وقذارتها,, وفظاعتها,, وشناعتها,
يعرف أنها تَعدٍّ سافرٍ على وصاياه,, يعرف أنها استهانة وقحة بشخصه,, يعرف أنها تمرد علني ضد إرادته المعلنة في كلمته,, يعرف أنها الكفر الأحمق عن ذات الله,, وأنها فعل ما يدل على عدم الثقة به,, وأنها الامتناع عن عمل الحسن الذي يجب أن نعمله,, يعرف مدى تدميرها وتخريبها لحياة الإنسان في الدنيا والآخرة,
الإنسان فقد التقدير الصحيح لحقيقة الخطية بعد أن تردى فيها، وأصبحت تسري في كيانه وتؤثر في أحكامه,, الله وحده تبارك اسمه هو الذي يعرف حقيقة الخطية والذنب والمعصية,, ولذا فهو وحده القادر على التكفير عنها ولا سواه,
وهناك ارتباط تام بين الإيمان بوحدانية الله الجامعة، وقدرته وحده على التكفير عن سيئات المذنبين,
والقرآن يقرر بنصوص صريحة أن الله وحده هو الذي يكفر عن سيئات المؤمنين,, لكنه لا يذكر كيف تمت أو تتم هذه الكفارة,, إن كل ما فعله القرآن أنه طالب المسلم بأن يؤمن بالله ويعمل صالحاً ثم قرر بعد ذلك أن الله يكفر عنه سيئاته,
وكلمة يكفّر معناها يزيل ويمحو,, ومعناها كذلك يغطي ويستر,, كما قال شاعر عربي:
في ليلة كفر الغمام نجومها
أي في ليلة حجب الغمام، وستر، وغطى نجومها,
يقرر القرآن أن الله وحده هو الذي يكفر عن سيئات المؤمنين فيقول:
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ * سورة التغابن 64: 9 ,
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَا غْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * سورة آل عمران 3: 193 ,
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * سورة الزمر 39: 35 ,
النصوص القرآنية تقرر أن الله وحده هو الذي يكفر عن سيئات المؤمنين,
ويخطئ خطاً جسيماً من يعتقد بأن أعماله الصالحة هي وسيلة الكفارة عن سيئاته,, لأنه لو كانت الكفارة بالأعمال الصالحة لما اختص القرآن الله وحده بالتكفير عن سيئات المؤمنين، بل لنسب عمل الكفارة لأعمال المؤمنين,
لكن أعمال المؤمنين الصالحة تعجز تماماً عن التكفير عن سيئاتهم، ومحمد نفسه أقر بأن أعماله الصالحة لن تنجيه من نار جهنم,
جاء في كتاب العقيدة الإسلامية للشيخ حافظ بن أحمد حكمي ما يلي:
سؤال: هل يدخل الجنة أو ينجو من النار أحد بعمله؟
جواب: قال محمد رسول الله,, قاربوا وسددوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله ,
قالوا: يا رسول الله ولا أنت ؟
قال: ولا أنا إلا إن يتغمدني الله برحمة منه وفضل * العقيدة الإسلامية صفحة 75 ,
الأعمال الصالحة تعجز عن التكفير عن سيئات المؤمن المسلم,, ولا تنجيه من نار جهنم,, ولا تدخله الجنة,
الطريق الوحيد للنجاة من نار جهنم هو كفارة يقوم بها الله القدوس ذاته,,
كانت الكفارة تعليماً واضحاً من تعاليم اليهود,, وكان يوم الكفارة يوماً عظيماً مقدساً,, وما زال,
َقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: أَمَّا الْعَاشِرُ مِنْ هذا الشَّهْرِ السَّابِعِ فَهُوَ يَوْمُ الْكَفَّارَةِ. مَحْفَلاً مُقَدَّساً يَكُونُ لَكُمْ. تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ وَتُقَرِّبُونَ وَقُوداً لِلرَّبِّ * ذبائح ومحرقات * لاويين 23: 26 و27 ,
في ذلك اليوم العظيم كان رئيس كهنة اليهود يدخل إلى قدس الأقداس في الهيكل اليهودي,, ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين عن ذلك,
وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي * أي قدس الأقداس فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلَا دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالَاتِ الشَّعْبِ * عبرانيين 9: 7 ,
كانت الكفارة بدم الذبائح الحيوانية,, وكانت هذه الذبائح مجرد رمز للذبيح الأعظم يسوع المسيح كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين:
وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِا لْمَسْكَنِ الْأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الذِي لَيْسَ مِنْ هذهِ الْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً * عبرانيين 9: 11 و12 ,
لم يكن في قدرة دم الذبائح الحيوانية أن يكفر عن السيئات,
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا * عبرانيين 10: 4 ,
كان الدم الذي يقدمه رئيس كهنة اليهود، مجرد رمز لتعليم الناس أنه وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ * عبرانيين 9: 22 ولإعدادهم لمجيء الفادي المرسل من الله، وكان لا بد أن يكون هذا الفادي هو الله,, لأن الله وحده هو القادر على التكفير عن سيئات المذنبين ولا سواه,
لهذا أشار يوحنا المعمدان * يحيى بن زكريا إلى المسيح وقال:
هُوَذَا حَمَلُ اللّهِ الذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ * يوحنا 1: 29 ,
كانت الحملان التي يقدمها كهنة اليهود على المذبح، حملانهم,, أما المسيح فكان حمل الله ,, الحمل المرسل منه للتكفير عن خطايا الناس,, وكان هو الذبح العظيم , ولذا قال يوحنا الرسول عنه:
إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الْآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً * 1 يوحنا 2: 1 و2 ,
والإيمان بأن الله وحده هو القادر على التكفير عن السيئات والمعاصي والذنوب، يتطلب الإيمان بوحدانية الله الجامعة,, فالكفارة الإلهية، ووحدانية الله الجامعة صنوان لا يفترقان,
عاودوا الزيارة بعد فترة وسوف تجدون مواضيع هامة جداَ