الفصل الثالث
لا إله إلا الله
يشهد المسلمون بأن لا إله إلا الله,
فهل يشهد المسيحيون بأن لا إله إلا الله، أو يؤمنون بثلاثة آلهة ويشركون بالله؟
معرفة المسيحيين بالله مصدرها إعلان الله عن ذاته في كلمته، وإعلان الله عن ذاته نجده صريحاً وواضحاً في التوراة والإنجيل، أو بعبارة أخرى في الكتاب الموحى به من الله والذي يسميه المسيحيون الكتاب المقدس,
ولا عبرة بما يقوله المسلمون بأن الكتاب المقدس، قد عبثت به أيدي المحرفين من اليهود والمسيحيين,
فكل ادعاء بحدوث تحريف في التوراة والإنجيل هو تكذيب للقرآن, فالقرآن يؤكد بنصوصه وحي التوراة والإنجيل ففي سورة المائدة نقرأ الكلمات:
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَا لْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَا خْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ *سورة المائدة 5: 43 و44,
يقرر هذا النص القرآني الحقائق التالية:
1 - إنه لا حاجة لتحكيم محمد لأن التوراة فيها حكم الله وهي تغني تماماً عن حكم محمد, وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ؟
2 - إن التوراة أنزلها الله تبارك اسمه فيها هدى ونور وهذا يؤكده النص القرآني إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ,
3 - إن الربانيين والأحبار من اليهود استحفظوا أي أمروا بحفظ التوراة, وهذا يتفق مع ما قاله بولس الرسول في كلماته إِذاً مَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟ كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَّوَلاً فَلِأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللّهِ *رومية 3: 1 و2,, وهذا يعني أنهم استحفظوا على أقوال الله , أي على كتاب العهد القديم,
لقد استأمن الله تسامت حكمته أنبياء اليهود وأحبارهم لحفظ أقواله, وهل يعقل أن يستأمن الله أناساً يحرفون كلمته، وهو العليم الخبير؟!
4 - إن من لم يحكم بما أنزل الله في التوراة فأولئك هم الكافرون,
وجاء في نفس السورة النص القرآني التالي:
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *سورة المائدة 5: 46 و47,
وفي هذا النص القرآني نجد الحقائق التالية:
1 - إن المسيح يسوع، الذي يسميه القرآن عيسى ابن مريم، جاء مصدقاً لما بين يديه من التوراة,,
وهذا ما فعله المسيح إذ قال وهو الصادق الأمين:
لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ *متى 5: 17 و18,
وعندما التقى بعد قيامته بتلميذين كانا يسيران في الطريق إلى قرية عمواس قال لهما:
أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِه ذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟ ثُمَّ ابتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الْأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ *لوقا 24: 25-27,
ثم بعد ذلك إذ التقى بتلاميذه بعد قيامته قال لهم:
ه ذَا هُوَ الْكَلَامُ الذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالمَزَامِيرِ . حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ *لوقا 24: 44 و45,
1 - صدّق المسيح لما بين يديه من التوراة وجميع أسفار العهد القديم,
2 - جاء المسيح بالإنجيل، وهو يعني البشارة المفرحة للهالكين, بشارة موته على الصليب لفداء الآثمين,
3 - طالب القرآن المسيحيين، أهل الإنجيل، بأن يحكموا بما أنزل الله فيه, فهم إذاً في غير حاجة إلى القرآن,
4 - أقر القرآن بأن الإنجيل، وهو الذي كان يطلق على العهد الجديد بجواز إطلاق الجزء على الكل, مُنزل من عند الله, وآتيناه الإنجيل ,
5 - أعلن القرآن أن من لم يحكم بما أنزل الله في الإنجيل فأولئك هم الفاسقون أي الخارجون على الدّين,
وزاد القرآن على ذلك فقال:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ #*سورة المائدة 5: 68,
وهذا يعني أن أهل الكتاب لن يكونوا على دين صحيح حتى يعملوا بالتوراة والإنجيل,
ثم قال القرآن أيضاً:
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً *سورة البقرة 2: 40 و41,
والقرآن في هذا النص يطالب بني إسرائيل بالإيمان بما أنزل الله مصدقاً لما معهم, كان معهم في ذلك الوقت كل أسفار العهد القديم, وهي بذاتها الموجودة حتى الآن, وكان عليهم أن يؤمنوا فقط بما يطابق ما جاء في هذه الأسفار, مصدقاً لما معكم , فهل يقبل المسلمون أن يقول القرآن لبني إسرائيل إنه يصادق على الكتاب الذي معهم - كتاب العهد القديم - إذا كان كتاباً محرّفاً أو عرضة للتّحريف؟ أوَلا يعني هذا الاعتراف بجهل القرآن بتحريف العهد القديم إذا صح ادعاء علماء المسلمين بحدوث هذا التحريف؟
إن أي ادعاء بحدوث تحريف في الكتاب المقدس هو استهانة كبرى بالله تبارك اسمه, لأن مثل هذا الادعاء ينسب إليه تبارك وتعالى الجهل, والعجز, والتغير، وهو العليم الخبير,
ينسب إليه الجهل بالمستقبل، إذ أنه لم يعرف مسبقاً أن اليهود والمسيحيين سيحرفون التوراة والإنجيل,
وينسب إليه العجز عن حفظ التوراة والإنجيل، - وهما بنصوص القرآن - منزّلان منه, هما كلامه الموحى به منه,
وينسب إليه التغيّر, إذ سمح لليهود والمسيحيين بالعبث في كلمته الموحى بها، لكنه قرر بعد ذلك حفظ القرآن من أي عبث كما جاء في سورة الحجر:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *سورة الحجر 15: 9,
تعالى الله عن الجهل، والعجز، والتغير علواً كبيراً,
ولذا يتحتم علينا بغير جدال، وبغير قيد أو شرط أن نؤمن بوحي الكتاب المقدس كله وبأنه حُفظ حفظاً إلهياً من كل عبث أو تحريف, كما قال كاتب المزمور بالوحي الإلهي:
إِلَى الْأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ *مزمور 119: 89,
وكما قال بولس الرسول: كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللّهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللّهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ *2 تيموثاوس 3: 16 و17 *اقرأ أيضاً 2 بطرس 1: 19-21,
وعلينا أن نذكر هنا أن هناك مخطوطات قديمة للعهد القديم ما زالت موجودة حتى الآن، وقد وجدت في وادي قمران قرب البحر الميت ويرجع تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد, كما أن لدينا مخطوطات أخرى لكل الكتاب المقدس تعود إلى سنة 125 و 350 بعد الميلاد محفوظة في المتحف البريطاني، وفي فرنسا، وفي مكتبة الفاتيكان وفي ليننجراد في روسيا, هذه كلها وجدت قبل القرآن وكانت مع اليهود والمسيحيين في عصر محمد, وهي تطابق تماماً الكتاب المقدس الذي لدى اليهود والمسيحيين حتى اليوم, وهي التي صادق القرآن على صدقها,
إذا أرسينا هذا الأساس المتين، أساس وحي الكتاب المقدس الذي لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه, نتقدم لنسأل: ماذا قال الكتاب المقدس عن الله؟
ونجيب أن الكتاب المقدس يقرر بما لا يدع مجالاً للجدل أو الشك حقيقة وحدانية الله , بل ويحرم تحريماً باتاً قاطعاً أن نشرك مع الله أحداً,
فأول وصية من الوصايا العشر التي أعطاها الله لبني إسرائيل على يد موسى، ونطق بها بصوته الإلهي نجدها في الكلمات:
ثُمَّ تَكَلَّمَ اللّهُ بِجَمِيعِ هذهِ الْكَلِمَاتِ:
أَنَا الرَّبُّ إِل هُكَ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ *خروج 20: 1-5,
ثم تكلم موسى النبي لبني إسرائيل بالوحي الإلهي فقال:
إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِل هُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِل هَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ *تثنية 6: 4 و5,
ويقول إشعياء النبي:
هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا الْأَوَّلُ وَأَنَا الْآخِرُ وَلَا إِلَهَ غَيْرِي *إشعياء 44: 6,
أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلَا إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ. اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَا خْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الْأَرْضِ لِأَنِّي أَنَا اللّهُ وَلَيْسَ آخَر *إشعياء 45: 21 و22,
فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللّهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟,, الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الْأَرْضِ,, فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ الْقُدُّوسُ *إشعياء 40: 18 و22 و25,
ويقول عنه داود النبي في المزمور:
لَا مِثْلَ لَكَ بَيْنَ الْآلِهَةِ يَا رَبُّ وَلَا مِثْلَ أَعْمَالِكَ. كُلُّ الْأُمَمِ الذِينَ صَنَعْتَهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُونَ اسْمَكَ. لِأَنَّكَ عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللّهُ وَحْدَكَ *مزمور 86: 8-10,
وفي سفر التثنية يقول موسى النبي لبني إسرائيل مؤكداً لهم وحدانية الله:
فَا سْأَلْ عَنِ الْأَيَّامِ الْأُولَى التِي كَانَتْ قَبْلَكَ، مِنَ الْيَوْمِ الذِي خَلَقَ اللّهُ فِيهِ الْإِنْسَانَ عَلَى الْأَرْضِ، وَمِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاءِ إِلَى أَقْصَائِهَا. هَلْ جَرَى مِثْلُ هذا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، أَوْ هَلْ سُمِعَ نَظِيرُهُ؟ هَلْ سَمِعَ شَعْبٌ صَوْتَ اللّهِ يَتَكَلَّمُ مِنْ وَسَطِ النَّارِ كَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ وَعَاشَ؟ أَوْ هَلْ شَرَعَ اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَعْباً مِنْ وَسَطِ شَعْبٍ، بِتَجَارِبَ وَآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَحَرْبٍ وَيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ رَفِيعَةٍ وَمَخَاوِفَ عَظِيمَةٍ مِثْلَ كُلِّ مَا فَعَلَ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ فِي مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ؟ إِنَّكَ قَدْ أُرِيتَ لِتَعْلَمَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْإِلهُ. لَيْسَ آخَرَ سِوَاهُ,. فَا عْلَمِ الْيَوْمَ وَرَدِّدْ فِي قَلْبِكَ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْإِلهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ *تثنية 4: 32-35 و39,
ونعود إلى سفر إشعياء فنقرأ الآيات:
أَنَا الرَّبُّ هَذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لَا أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلَا تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ *إشعياء 42: 8,
أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لَا إِلَهَ سِوَايَ,, *إشعياء 45: 5,
لِيَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ *إشعياء 45: 6,
اُذْكُرُوا الْأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ لِأَنِّي أَنَا اللّهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الْإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي. *إشعياء 46: 9,
اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ. وَإِسْرَائِيلُ الذِي دَعَوْتُهُ. أَنَا هُوَ. أَنَا الْأَوَّلُ وَأَنَا الْآخِرُ *إشعياء 48: 12,
وفي كتاب العهد الجديد الذي يسميه القرآن الإنجيل نقرأ الآيات البينات عن وحدانية الله,
لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ *متى 4: 10,
ولما جاء واحد من كتبة اليهود وسأل المسيح:
أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟ فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ *مرقس 12: 28 و29,
وفي صلاة المسيح الشفاعية قال:
وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الْإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الذِي أَرْسَلْتَهُ *يوحنا 17: 3,
ويقول بولس الرسول:
نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي الْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلهٌ آخَرُ إِلَّا وَاحِداً *1 كو 8: 4,
وقد قال المسيح للمرأة السامرية:
اللّهُ رُوحٌ. وَالذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا *يوحنا 4: 24,
وقال يعقوب في رسالته:
أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ *يعقوب 2: 19,
كل هذه الآيات التي تضيء بلمعانها صفحات الكتاب المقدس، وغيرها كثير, تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن اليهود، وكتابهم هو كتاب العهد القديم, والمسيحيين وكتابهم هو الكتاب المقدس الذي يشمل كتاب العهد القديم وكتاب العهد الجديد, يؤمنون بوحدانية الله, لكنهم يؤمنون بوحدانية حقيقية هي وحدانية الله الجامعة ,
لم يأت محمد بجديد حين دعا اليهود والمسيحيين في شبه الجزيرة العربية إلى التوحيد, فقد آمنوا قبله بالإله الواحد, واعترف محمد بصحة إيمانهم في القرآن فقال:
وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *سورة العنكبوت 29: 46,
والقرآن يقرر أن إله أهل الكتاب وهم اليهود والمسيحيون، هو ذاته إله المسلمين , فكيف يوجه القرآن مع إقراره الصريح بأن إله اليهود والمسيحيين هو ذاته إله المسلمين، تهمة الكفر إلى اليهود والمسيحيين إذ يطلق عليهم في كثير من نصوصه صفة المشركين؟
يبدو ظاهراً لقارئ القرآن أن صراعاً شديداً قام بين محمد واليهود والمسيحيين في الجزيرة العربية حول قضية التوحيد, صراعاً بدأ بالجدال بالتي هي أحسن, ثم انتهى بالقتال الدموي حتى انقرضت اليهودية والمسيحيّة من شبه الجزيرة العربية,
لماذا حدث هذا الصراع الرهيب الذي نرى آثاره في الكثير من نصوص القرآن حول قضية وحدانية الله, بعد أن أقر محمد تفضيل الله لليهود على شعوب العالمين, وبعد أن أقر بأن المسيحيين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون, وبعد أن أقر أن إله اليهود والمسيحيين هو ذاته إله المسلمين؟
قال القرآن عن اليهود:
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي التِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ *سورة البقرة 2: 47,
وقال عن المسيحيين:
إِنَّ الذِينَ آمَنُوا *وهم المسلمون وَالذِينَ هَادُوا * اليهود وَالصَّابِئُونَ *عبدة الكواكب والملائكة * وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِا للَّهِ وَاليَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *سورة المائدة 5: 69,
بعد هذا الإقرار الصريح بخصوص اليهود والمسيحيين, يتهم القرآن اليهود بالشرك ويوجه التهمة للمسيحيين فيقول:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ *يشابهون في الكفر قَوْلَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ *كيف يُصرفون عن الحق؟ *سورة التوبة 9: 30,
هذا الصراع الرهيب حول قضية وحدانية الله حدث بسبب وجود بدع وهرطقات مسيحيّة انتشرت في الجزيرة العربية في زمن محمد، مثل بدعة الأبيونيين الذين كان من بينهم القس ورقة بن نوفل ابن عم خديجة زوجة محمد الأولى، الذي طالما قضى الوقت الطويل مع محمد في غار حراء، ولقنه الكثير من قصص الكتاب المقدس وتعاليم الأبيونيين, ومثل بدعة الغناطسة، وهرطقة آريوس، وهرطقة ثيرنثوس, وقد تركت هذه البدع آثارها على النصوص القرآنية, هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان هناك مسيحيون حقيقيون يعرفون الكتاب المقدس معرفة صحيحة، آمنوا بوحدانية الله الجامعة، والإيمان بوحدانية الله الجامعة يتطلب الفهم الصحيح لأربع حقائق أساسية هي:
أولاً: حقيقة قداسة الذات الإلهية, وبغض الله التام للمعصية والخطية,
ثانياً: حقيقة الكمال المطلق للصفات الربانية,
ثالثاً: حقيقة فساد الطبيعة الإنسانية,
رابعاً: حقيقة تجسد الله في المسيح لفداء البشرية,
وفي الفصول الأربعة القادمة سوف نتحدث بالتفصيل عن كل هذه الحقائق التي غابت عن محمد، فلم يستطع الوصول إلى معرفة الوحدانية الصحيحة, وحدانية الله الجامعة,
عاودوا الزيارة بعد فترة وسوف تجدون مواضيع هامة جداَ