دوافع للإيماني الإنجيلي
صراع أدّى إلى الاهتداء
أمير ريشاوي
أحد قادة الأحزاب الإسلامية المعاصرة
الفصل الثالث عشر: الحرب والقتال
عند النظر في بواعث وأسباب القتال في المعتقد الإسلامي نجد مختلف الاتجاهات والميول، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نعود بها في جملتها إلى رجاء وجه الله فبواعث الجهاد لم تكن يوماً خالصة لوجه الله كما يتصور ذلك ويصوّره كُتّاب هذا الدين، حتى في عصر صحابة محمد، ولا في عهد محمد نفسه! ومرجعنا في ذلك القرآن نفسه، فهو يصور لنا جانباً من هذه البواعث التي تكذِّب ما ادّعاه بعض منظِّري الحركة الإسلامية.
فقد جاء في القرآن في سورة آل عمران: أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ! (آل عمران 3: 165).
وجاء فيها، تعقيباً على أحداث غزوة أُحُد: "مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ" (آل عمران 3: 152). فقد جاءت هذه الآيات في حقّ المسلمين المشاركين في غزوة أحد التي هُزم فيها المسلمون، لتناقش أسباب الهزيمة، فقد حاربوا وهُزموا لأنهم كانوا يريدون الدنيا قل: هو من عند أنفسكم . ويصوِّر القرآن حالة الجشع التي كانت تنتاب المسلمين عند خروجهم للقتال، فيقول القرآن: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ" (النساء 4: 94).
ويفرض الإسلام ثلاثة بدائل على غير المسلمين، له حرية اختيار أحدها:
الدخول في الإسلام ولهم مالنا وعليهم ما علينا .
دفع الجزية حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (التوبة 9: 29).
الحرب والقتال.
غير أن المسلمين لم يكونوا راضين بدخول الأمم الإسلام دون حرب، لأن في ذلك حرماناً لهم من غنيمة الحرب التي شُرِّعت لهم وأحلَّها القرآن. فعندما حاربوا إحدى القبائل اليهودية، أعلنت إسلامها خوفاً من الدمار والخراب على يد المسلمين، فلم يقبل المسلمون إسلام هذه القبيلة وقاتلوها. فلما شاعت هذه الرواية وتحدث الناس بما فعله المسلمون أراد القرآن أن يحفظ ماء وجه أتباعه، فعاتبهم عتاب المدلِّل ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لستَ مؤمناً.
فالغنائم التي كانت ثمار الحرب والقتال كانت من أهم بواعث خروجهم من مكَّتهم ومدينتهم شاهرين سيوفهم في وجه الجميع!
ويضع القرآن أيدينا على أهم البواعث التي من أجلها يخرج المسلم مقاتلاً، ألا وهي نشر كلمة الله، فعلى حد السيف وبالسيف يُنشر القرآن، وهو وسيلة معتمدة شرعية في نشر كلماته وآياته بل "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ" (التوبة 111:9).
وعند قضية بواعث الحرب والقتال في الإسلام نجد رأيين هما:
لا قتال إلا للدفاع عن الأرض والوطن والعرض والدين، ويؤمن بهذا الرأي عدد من علماء الدين الإسلامي، وهم قلَّة مرفوضة لمخالفتها لنصوص القرآن القاطعة.
القتال، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى (التوبة 9: 40) وهو رأي تتبنّاه كل فصائل التيار الإسلامي، بعد أن وضع عملاق الفكر الحركي السيد قطب مؤلفاته كلها لشرح قضية الحاكمية وهي قضية وثيقة الصلة بموضوع الجهاد في الإسلام. ويرى السيد قطب أن المهزومين روحياً وعقلياً ممن يكتبون عن الجهاد في الإسلام ليدفعوا عن الإسلام تهمة أنه انتشر بالسيف، يخلطون بين منهج القوة في شرعيّة الجهاد وبين النص على استنكار الإكراه في العقيدة، وهما أمران لا علاقة بينهما. ومن أجل هذا الخلط يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمُّونه اليوم الحرب الدفاعية. (من كتاب معالم في الطريق لسيد قطب).
والجهاد في الإسلام أمر لا علاقة له بحروب الناس ولا ببواعثها. إن بواعث الجهاد تنبع من أن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للبشر، وردّه إلى عبودية الله وحده. ومن ثمَّ لم يكن بدٌّ للإسلام أن ينطلق في الأرض لإزالة الواقع المخالف لذلك الإعلان العام بالبيان والحجة والمنطق فقط، بل عليه أن يوجّه الضربات للقُوى السياسية التي تُعبِّد الناس لغير الله، أي تَحْكمهم بغير شريعة الله وسلطانه.
فالإسلام لا يُكرِه الناس على اعتناق عقيدته، ولكنه ليس مجرد عقيدة. إن الإسلام إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، فهو يهدف ابتداءً إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر، وعبودية الإنسان للإنسان، ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً في اختيار العقيدة التي يريدونها. إن المد الإسلامي ليس في حاجة إلى مبررات أدبية له أكثر من المبررات التي حملتها النصوص القرآنية "قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة 29:9). وتقوم في وجه الانطلاق بالمذهب الإلهي عقبات مادية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة، وهذه كلها هي التي ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة ليخلو له وجه الأفراد من الناس، يخاطب ضمائرهم وأفكارهم بعد أن يحررها من الأغلال المادية، ويترك لها بعد ذلك حرية الاختيار. (سيد قطب ـ مرجع سابق)
والخلاصة:
إن أهم المبررات التي تسوقها الحركة الإسلامية لإعلان القتال هو اعتقادهم بأنهم أوصياء على العالمين، وأنهم مطالبون برفع الظلم الواقع على البشر على مختلف أنواعه. وأشد أنواع الظلم كما يرونه هو خضوع الإنسان للأنظمة والقوانين الوضعية، إذ أن انتزاع حق الله وإعطاءه لبشرٍ مخلوق هو ظلمٌ للمحكومين، لأنهم بخضوعهم للقوانين البشرية يؤلّهون إنساً ويعبدونه من دون الله، فالقتال واجب لرفع هذا الظلم وإقامة العدل المتمثِّل في شرع الله المنزَل في القرآن. وعلى ذلك فالقتال هو القاعدة، والسلم هو الاستثناء، لأن العالم لا يمكن أن يخلو من قوانين بشرية.
عاودوا الزيارة بعد فترة وسوف تجدون مواضيع هامة جداَ